السبت، 17 يناير 2015

المؤلفة قلوبهم و شبهة الرشوة

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ،
يثير النصارى و غيرهم من أعداء الإسلام أمام الأخوة المسلمين بين الحين و الآخر شبهة مفادها أن إعطاء المؤلفة قلوبهم من مال الزكاة عبارة عن رشوة تستقبحها الضمائر النزيهة و أنه من غير المعقول أن يدعو المسلمون غير المسلمين إلى دينهم عن طريق دفع الرشاوى ، حتى وصلت سورة أحدهم لأن يسأل في وقاحة : (( أليست هذه رشوة؟؟؟ يعطي ثروة مهولة لقوم ، لكي يدخلوا الاسلام ، أليس هذا شراء للضمائر والذمم؟؟؟ )) و يصيح آخر في هستيرية : (( أليس هذا من أسوأ أنواع الرشوة ؟ أليس هذا شراء لضمائر الناس ؟ أيعجز محمد عن إثبات دينه بالمعجزات الربانية و الخوارق فيلجأ إلى أرخص الوسائل و أسهلها و هي شراء الولاءات ؟؟؟ فبماذا تختلف هذه الأفعال عن قولنا أن الغرب يشتري حكّام العرب ؟؟؟ فهي تدفع لهم حتى يخدموا مصالحها )) و بلغ حال بعض الأخوة أن نقلوا هذه الشبهة متضمنة النكهة البذيئة التي يضيفها النصارى و الملاحدة العرب دومًا إلى حواراتهم طالبين الرد عليها .

و الجواب بعون الملك الوهاب : أن المؤلفة قلوبهم هم مسلمون دخلوا الإسلام مترددين أو عن اقتناع لكن علم فيهم حب المال فيقوم ولي الأمر بتأليف قلوبهم به حتى يجذبهم أكثر للإسلام و يدفعهم للإقتراب منه و تدبر معانيه ، فيزداد إيمانهم و يقوى بهذا التدبر .. و هذا قريب جدًا لما يفعله المدرس عندما يسعى لتحبيب التلاميذ في موضوع الدرس بتوزيع حلوى عليهم مثلاً ، فبهذه الطريقة يحب التلاميذ الدرس و يكون استعدادهم لفهمه و الانتباه مع المدرس أكبر .
فلا يمكن القول بأن إعطاء حافز لابنك كي يذاكر و ينجح في الامتحانات يعلمه الرشوة و فقدان الضمير أو أن إعطاء مرتبات شهرية للأطباء و الممرضات و هم الذين يعملون في مجال إنساني بالدرجة الأولى يعتبر إفسادًا لسمو رسالة الطب أو رعاية المريض !

إن هذا سيكون قصورًا في التفكير و فسادًا في الرأي !

و قد جُبل الإنسان على حب المال و إنه لحب المال لشديد ، فبهذه الطريقة يفتح المرء قلبه للإسلام و يتدبره بجدية و همة ، فيقوى إيمانه و تعلقه بالدين بهذا التدبر و التفكر في الإسلام .. و قد اعتاد الإنسان أن يصغي بقلبه و جوارحه لمن يعطيه و يكرمه ، فتكون هذه فرصة حتى يصغي غير المسلم للإسلام فيهديه الله إلى طريقه المستقيم .

روي القاضي عياض في الشفا ج1 ص114 : (( حدثنا الفقيه أبو محمد عبد الله بن محمد الخشبي بقراءتي عليه ، حدثنا إمام الحرمين أبو علي الطبري ، حدثنا عبد الغافر الفارسي ، حدثنا أبو أحمد الجلودي ، حدثنا إبراهيم بن سفيان ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا أبو الطاهر ، أنبأنا يونس ، عن ابن شهاب ، قال : غزا رسول الله صلى الله عليه و سلم غزوة ، و ذكر حنيناً ، قال : فأعطى رسول الله صلى الله عليه و سلم صفوان بن أمية مائة من النعم ، ثم مائة ، ثم مائة .
قال ابن شهاب ، حدثنا سعيد بن المسيب أن صفوان قال : و الله لقد أعطاني ما أعطاني و إنه لأبغض الخلق إلي ، فما زال يعطيني حتى إنه لأحب الخلق إلي .

و روي أن أعرابياً جاءه يطلب منه شيئاً ، فأعطاه ، ثم قال : أحسنت إليك ؟ . قال الأعرابي : لا ، و لا أجملت .
فغضب المسلمون و قاموا إليه ، فأشار إليهم أن كفوا ، ثم قام و دخل منزله ، و أرسل إليه ، و زاده شيئاً ، ثم قال : أحسنت إليك ؟ قال : نعم ، فجزاك الله من أهل و عشيرة خيراً )) .

فهذه أمثلة تدل على صحة ما وصلنا إليه .. و أكبر دليل على ذلك إيضًا أن المنظمات التنصيرية تستخدم هذه الوسيلة كسبيل وحيد لإقناع الناس بالنصرانية بعد أن فشلت في ميدان الحجة و الإقناع .. فهذه المنظمات تقوم بتقديم العلاج و الطعام للفقراء حتى يدخلوا في النصرانية و تعد من يدخل منهم فيها بالمال و المتع الحسية الدنيوية .. فإن كان هذا مقبولاً في الإسلام الذي يدعو الناس لإقامة الدنيا و الآخرة ، و لإعمار الأرض و القلوب ، و لا يحارب الأغنياء ، فكيف يستساغ من دين يدعو إلى نبذ الدنيا و لا يدخل فيه الأغنياء الملكوت ؟؟

و لنا مما نشهد نماذج : يعدون المسلم بالسفر للخارج و الزواج و فرص العمل اللامعة و المال الوفير إلى آخر المتع الدنيوية الحسية .. و هذا كله حتى يدخل في النصرانية رغم أن كل هذه المتع منبوذة في دينهم و عبور الجمل من سم الخياط أيسر من دخول الغني في الملكوت .

و نعوذ بالله من أن نكون من الذين تخالف أقوالهم أفعالهم .. و الحمد لله على نعمة الإسلام . 


 و يضاف ما كتبه الأخ الدكتور حسام الدين حامد في رده على هذه الشبهة :
1- هذا قرينة علي نبوة النبي محمد صلي الله عليه و سلم ، فلو كان باحثًا عن مال لما أعطي المؤلفة قلوبهم من المال ليؤلف قلوبهم ، و كان حاربهم و أجبرهم بالسيف علي الدخول في دين الله لو أراد ، و لكنه أعطي من مال لو أراد لكان له خالصًا ، فهل من هذا حاله متقول أو باحث عن ثروة ؟

2- يروي أن أحد الأعراب دخل البيت الحرام و كان فيه حمق فقال : اللهم إن أعطيتني فسأعبدك ما استطعت ، و إن منعتني فعند تركي الصلاة ما ألام ، فسمعه زين العابدين رحمه الله فأعطاه مالًا كثيرًا و غيره .

فهل هذا الموقف من زين العابدين رحمه الله يذم عليه ؟ ألو ترك الأعرابي يكفر ، أكان يلام ؟ فما بالك لو استطاع أن يجبره علي الطاعة بالسيف و رغم ذلك أعطاه المال ؟!!

ارتفع بعقلك أكثر لتفهم معني إعطاء المال للمؤلفة قلوبهم لتأليف قلوبهم ، و ستعلم أن رحمة الله و حكمة تشريع الإسلام اقتضت هذا الحكم الذي يعمل علي تعبيد العباد لله وحده .

و يكمل الرد قائلاً :

1- هذا الكلام حجة عليه (أي صاحب الشبهة) لا له ، فالراشي يبحث عن مصلحة شخصية أعلي من قيمة الرشوة ، و تجده نفسه يقول " فهي تدفع لهم حتى يخدموا مصالحها " ، فما مصلحة رسول الله صلي الله عليه و سلم في دفع أموال لتأليف قلوب الناس ليعينهم علي عبادة الله عز و جل ؟ لا مصلحة شخصية فهذا حجة عليه لا له ، ثم :

2- قد جاءهم رسول الله بالمعجزات و الخوارق ، و كفي بالقرآن معجزة أمامهم و أمام أمثاله ، و رغم ذلك كفروا كما كفر ، فما أشبه معاندي الأمس باليوم ، ثم :

3- قد كان في وسع رسول الله - لو كان دعيا و حاشاه - أن يحاربهم أو يتجنبهم و بالتالي يحفظ المال له و يفعل به ما يشاء ، و لكن هذا لم يحدث ، أفلا تعقلون ؟