بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 25 فبراير 2022

مرآة النقل ومِرقاةُ العقل

 إنَّ الْحَمْدَ لِلهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِىَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أمابعد:

مرآة النقل ومِرقاةُ العقل ..أو مرآة الوحي ومِرقاة الرأي : نبذة يسيرة وإشارات عابرة في بيان امتناع قدرة البشر على التشريع القويم وأن التشريع من خصائص الله عز وجل وهو من مقتضى معنى توحيده جل وعلا في العبادة وفي الربوبية

-الشريعة فرع عن الاعتقاد ، والسلوك ثمرة مترجِمة عن بذرة الفؤاد ، فإذا فسد الأصل ترتب من الخلل بقدر ما في الأصل ، وأنى للأصل أن يصِح إلا بمصدر معصوم من الزلل ؟!
-وإذا كانت العين أداة للبصر ، فهل تراها استقلّت يوما عن الضوء في رؤية أي شيء ؟! فلماذا يفترض أدعياء العقلانية وأرباب العالمانية أن العقل الذي هو أداة للنظر: مستقلٌ عن نور فوق العقل يهديه في ترسم خطى الطريق ؟
-إنَّ العين وهي موضوعة للإبصار لا ترى عين نفسها !..إلا أن يقف صاحبها أمام مرآة ، وكذلك العقل لابد له من مرآة خارج صندوقه تعكس له حقيقة ذاته ويعرف بها حدود نفسه ودائرة سعيه وما خلق من أجله..وإذا استغنى عن هذه المرآة العلوية فلابد أن يطغى وتشقى بطغيانه البشرية..
-نعم يدرك العقل بعض ما يتعلق بذاته ، ولكن من أهم ما يدركه :قصوره الذاتي! عن استيعاب أقضية الزمان والمكان وعن تغطية ما يشمل عموم الحاجات مع اختلاف الطبائع وأنواع الناس، وتراه يترجم عن هذا القصور عمليًا بتغييره المستمر للقوانين
-صحيح أن العقل السويّ يدرك جملة من الكليات ، والفطرة السليمة تهتدي إلى قبس من المستحسنات ولكن المعرفة الجُملية ليست كاشفة عن معالم الطريق اللازمة للوصول ولا تغني شيئا في التبصرة التفصيلية الضرورية ..وذلك كما لا تغني المعرفة المجردة بكون فلان في آسيا أو حتى الصين -مثلا- عن الاهتداء إلى مُقامه على التعيين
-وحيث قد ثبت أنه لابد من مرجعية ذات سيادة مطلقة في تسييس الحياة فإن جعل هذه المرجعية منوطة بعقل عمرو وزيد أو جون وجورج من الناس هو بلا شك تأليه لهذه العقول وهذا وحده ينافي دلالة العقل المعافى ( وغير خاف عنك أنه لا يرضى العاقل من البشر بهذا "الاستنعاج" مع الاعتذار للنعاج فهي والله تأنف من عبادة غير الله عز وجل ، فاعلم إذًا معنى شرك التشريع وأنه كفر أكبر ولا يغرنك حديث مرجئة العصر )

-والنفوس يغلب عليها الهوى ، ويمتنع التصور في العقل أن يصدر أصحاب القوانين في تشريعاتهم عن محض تجرد لانتفاء موجب الإخلاص في قلب من لا يدين لله عز وجل بوحدانيته في العبودية والربوبية ، وحتى إذا كان الواحد منهم ينتسب لدينٍ فياض أهله بالدندنة حول شنشنة المحبة كالنصرانية مثلا ، فإن دينه لا يحجزه عن التشريع بالهوى لأسباب.. منها :خلو دينه من هذا التشريع أصلا بل يجد فيه ما يسوّغ العلمنة في نحو عبارة ( مالله لله وما لقيصر لقيصر ) ، ومهما تكن مجرما حسبك أن تؤمن بخلاص المسيح-عليه السلام- حتى تحظى بالغفران وتنعم بدخول الملكوت !، وإن كان القانوني منتسبًا للإسلام فإن جراءته على التشريع من دون الله تعالى كفر ٌيسلب عنه وصف الإيمان فلا يتأتى أن يكون مخلصا بحال ، فإذا عرفت أن الهوى غلاب ، فلا تعجب أن تكون قوانين البشر من مثل قوانين الغاب بل أضلّ ..فإن قيل لا نسلم بلزوم تأثر القوانين بالهوى ؟ قيل : الواقع يرده في أعظم الدول رفعا لشعار الحريات واحترام الحقوق. زبدة القول أن وجود داعيةِ الهوى في النفوس وانتفاء مانعها يحتم وقوعه، والشريعة جاءت لتخرج الناس من داعية هوى النفس ..فلهذا لم تحتمل القسمة إلا الهدى أو الهوى ..ولا واسطة بينهما ، هذا والإخلاص في جملةٍ من موارده وباعتراف أكابر أئمة الزهد والتقوى :عسير على النفس..فهذا الإمام الجبل سفيان الثوري يقول :ما عالجت شيئا أشد عليّ من نيتي إنها تتقلب علي ، ويقول سهل بن عبدالله التستري : ليس على النفس شيءٌ أشقّ من الإخلاص لأنه ليس لها فيه نصيب..فهذا ونظائره الكثيرة : بيان جلي من أئمة في الورع والعلم ..فكيف بغيرهم ؟ وما الظنّ بمن لا يرجو الله والدار الآخرة ؟!

-يقول مشركو التشريع : إن القوانين موضوعة لرعاية المصالح ، والمصالح متغيرة مع دوران الزمان ، والشريعة ثابتة ، فكيف تكون صالحة لكل زمان؟ فنقول: لا يخلو الأمر من حالين :إما أن تدّعوا الإسلام فنحيلكم إلى نحو قول الله تعالى "اليوم أكملت لكم دينكم " وقوله "ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير " وأمثال ذلك ، فلا يُسألُ من يعلم الغيب وهو لكل الخليقةِ ربّ : كيف ولمَ ، وإما ألا تدّعوا ذلك ، فعندئذ نقيم عليكم براهين الحق على صدق النبي صلى الله عليه وسلم..وهذا جواب مجمل ولكنه كافٍ محكم

الخميس، 24 فبراير 2022

العقل وعلم الغيب


 إنَّ الْحَمْدَ لِلهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِىَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أمابعد:

يقول الله عز وجل متمدِّحا أهل الإيمان: {الذين يؤمنون بالغيب} (البقرة:3).
تأمل معي هذه المعادلة من قبيل ما درجنا على تعلمه في الصغر في كتب الرياضيات المدرسية :1 + س =3، وكانوا يضعون مكان (س)، مربعًا فارغًا.

فيكون تقدير السؤال عندئذ: ما العدد المجهول الذي ينبغي ملء المربع به لتكون المعادلة صحيحة بأن يكون طرفاها متساويين ؟

والآن انظر بعينك في أجزاء هذه المعادلة ..ماذا ترى بحاسّة الإدراك البصرية ؟

إنك ترى الرموز الآتية: 1، +، س أو المربع الفارغ، =، 3 ...أليس كذلك ؟ إذن دعنا نقرر هذه الحقيقة جانبًا ونقول : الذي أدركته حاسة البصر هو هذه الرموز المذكورة آنفًا..ولنتجاوز ذلك إلى ما بعده ..ونتساءل : إذا كانت العين ترى المربع فارغًا لا شيء فيه، فما قيمة ما فيه حتى تصحّ المعادلة ؟ سلْ هذا أيَّ طفل في مبادئ التعلم وسوف يقول :قيمة المجهول =2، فيبقى السؤال الجوهري : كيف عرف الجواب وهو لا يبصره بعيني رأسه ؟!

إن الله جل ثناؤه في سياق الامتنان عليك أيها الإنسان بيّن منافذ المعرفة وطريق الاهتداء إلى معالجة المُدخلات إلى هذه المنافذ، فقال:{والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون } (النحل : 78 )، والذين ينكرون الغيب مطلقًا يُقال لهم :إن كان المراد بالغيب ما غاب عن الحواس، فإنكار الغيب =إنكارَ العقل، سواء بسواء ! وقد رأيت في مثال المعادلة أن إعمال الفكر هو الذي دلّ على قيمة المجهول في المربع، وهو شيء وراء المـُدركات الحسيّة.

وإن كان مرادهم: الغيب الذي يأتي به الدين خاصّة–أيًّا كان هذا الدين- فيقال هذا تحكّم يعبر عن موقف دوغمائي Dogmatic 1 تعسّفي لا مستند له من العقل إذا كنتم تدّعون الانتساب إلى هذا العقل.

لأن المعوّل في ذلك ليس هو كون الشيء دينيًا أو غير ديني، ولكن دلالة الحجة البرهانية التي دلّ عليها العقل، فحيث دلّ الدليل المعتبر على صحة ما وراء الحواس كان المصير إليه لازمًا في حكم العقل، وكان جحوده كفرًا بالعقل نفسه ، الذي يدعي الانتساب إليه ..

-فإن قيل: نحن نؤمن بما تدل عليه التجربة المخبريّة، ولسنا مضطرين لما وراء ذلك كما يقوله الماديون، قيل لهم : هذا كما لو قيل : العين حدّها أن تنظر إلى زاوية من الأفق لا تجاوزه إلى غيره، مع كون الأفق الرحيب داخلًا في مجالها البصري ..فهو من التقييد المبني على مجرد التحكّم والهوى دون أي دليل، وذلك أن ما دل عليه العقل لا يقتصر على ما كان نتاج تجربةٍ في المعامل، وإنما الاستدلال العقلي يستند إلى وجود خصيصةٍ تلازميّةٍ بين قضايا معلومة وأخرى مجهولة؛ ولهذا جاء الإسلام بقضية الإيمان بالغيب مسلّمةً من كل عيب يمكن أن يوجد في مصادر التلقي التي لا تعتمد على برهان صحيح ،وإنما على مجرد الظن والخرص والأوهام: {إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى} (النجم : 23) فحارب لأجل ذلك الكهانة والخرافة والشعبذة، وأنكر الاعتماد على الإلهام أو الخطرات في باب اليقينيات.

-فإن جاء مسفسط وأراد إبطال المستند العقلي فقال مثلًا: ليس العقلُ دليلًا كافيًا للمعرفة أو اليقين، فيقال له: قد قوّضت كل قائم في بنيان العقل بنفسك، ونقضت الدعوى من أساسها؛ لأن هذا الحكم الذي زعمت: (ليس العقلُ دليلًا كافيًا للمعرفة مطلقًا ) =هو نفسه حكمٌ عقليّ، فلو أعملناه على مقولتك انتقضت وامتنع عليك أن تحكم على شيء بأي شيء !

ويمكن إدراك علاقة العقل بالغيب في الإسلام بتقسيم طرق تحصيل المعرفة إلى ثلاثة أقسام:
-ما يعرف بالنظر والاستدلال ..

-ما يكون مركوزًا ضرورة ً في العقل ولا يحتاج إلى استدلال لكونه من الحقائق الضرورية المغروسة في العقل من قِبل الخالق جل جلاله، وذلك كإدراك العقل أن عين الإنسان لا تكون أكبر من الإنسان بما فيها من عين ..

-وما يتلقى بالأخبار فمتعلّقه السمع، فهذا القسم إذا أمكن إقامة الدليل على صدق المخبِر فقد صار الخبر علمًا مثبتًا، سواء كان الخبر من عالمَ الشهادة أو من عالم الغيب .

ولما كان العقل لا يستقل بتحصيل المعارف على وجه التفصيل بل يدرك جملةً من الحقائق على وجه مجمل، كانت وظيفة الرسل هداية الإنسانية في أمرين :
أحدهما –تحصيل اليقين في باب الغيبيات، ودلالة العقل عليها من ثلاثة وجوه :

1-أنه اهتدى عن طريق دلائل النبوة، إلى تحقّق معنى النبوة في شخص هذا الإنسان–صلى الله عليه وسلم- ،فهو نبيّ ورسول من الله العليّ، فكان مقتضى ذلك عقلًا تصديقه في جميع ما أخبر، وإلا وقع التناقض العقلي .

2-وأن العقل دلّ في حالة الإسلام دون غيره، إما بمطابقة صريح المعقولات لصحيح المنقولات،فما يدل عليه الشرع يكون مدلولًا عليه بالعقل ، وفي كتاب الله الكثير من الدلائل العقلية ، والحجج البرهانية

وإما بالموافقة: بألا تأتي الشريعة بما يحكم العقل بامتناعه ولا بما فيه تناقض {ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافًا كثيرًا } (النساء : 82) ،

والثاني-تمثيل الهداية في التشريعات، وكما أن الله مختصٌّ بعلم الغيب: (الغيب المطلق) فهو وحده المختص كذلك بوضع التشريع المناسب لطبيعة ما خلق بحسب ظروفه وأحواله ، في كل زمان ومكان، مع تنزّهه سبحانه عن النقص، فكان وحيه كذلك منزهًا عن النقص.

-وإذا عرفت أن الإنسان ليس آلة صمّاء قوامها التعامل مع المحسوس المحض، بل هو مركّب من عقل وروح وجسد، والروح مع تسليم العقلاء بحقيقتها فهي إلى عالم المجهول أقرب، وإلى عالم الغيب أنسب.. والعقل إنما وظيفته اكتشاف ما وراء المعلوم المحسوس لاستنباط معانٍ خلف ما تدركه أدوات الحس المباشر، ثم تأملت في تطلع هذا الإنسان إلى استشراف ما يختبئ وراء العالم المشهود وتشوفه الملحّ إلى معرفة المجهول.. ومن ذلك :ما يكون في المستقبل - فإنك ستبصر في وجدانك حاسّة خاصّة تحاول التحديق دومًا إلى ما وراء الغيب، فلا ترتوي النفس في تطلعها إلا برسالةٍ سماوية تنبيها عن حقيقة الأمر، وتلبي فيها الحاجة الفطرية لذلك، وليست تثبت هذه الرسالة بالدعوى الخبرية المجردة، كأن يقول فلان: أنا نبي ، وكفى !، ولهذا جاء الإسلام دون غيره يعلن للإنسانية أنه دين مؤسس على أدلة يقينية تشفي غليل الباحث وتكفي العليل الحيران {قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين }(البقرة : 111)

وهذا سيد قطب-رحمه الله- في التفاتةٍ منه رائقة، ينبّه إلى أن "الإيمان بالغيب هو العتبة التي يجتازها الإنسان فيتجاوز مرتبة الحيوان الذي لا يدرك إلا ما تدركه حواسه، إلى مرتبة الإنسان الذي يدرك أن الوجود أكبر وأشمل من ذلك الحيّز المحدود، الذي تدركه الحواس أو الأجهزة التي هي امتداد للحواس، وهي نقلة بعيدة الأثر في تصوّر الإنسان لحقيقة الوجود كله، ولحقيقة وجوده الذاتي، ولحقيقة القوى المنطلقة في كيان هذا الوجود، وفي إحساسه بالكون ما وراء من قوة وتدبير. كما أنها بعيدة الأثر في حياته على الأرض، فليس من يعيش في الحيّز الصغير الذي تدركه حواسه، كمن يعش في الكون الكبير الذي تدركه بديهته وبصيرته" 2

وفي كتابه: (خصائص التصوّر الإسلامي) يلحظ عمقًا معرفيا ًفي قضية الغيب من زاوية أخرى فيقول: " إن العقيدة التي لا غيب فيها ولا مجهول، ولا حقيقة أكبر من الإدراك البشري المحدود، ليست عقيدة، ولا تجد فيها النفس ما يلبي فطرتها، وأشواقها الخفية إلى المجهول، المستتر وراء الحجب المسدلة .. كما أن العقيدة التي لا شيء فيها إلا المعمّيات ليست عقيدة"3.

إن أدعياء العقل أو العلم حين قصروا العلم على المحسوسات فإنما أرادوا أن يتنصّلوا من حقيقة معنى الإنسان في فضائه الرحب الذي ذرأه الله عليه، من آفاقٍ ينظر بعينٍ فيها إلى المشهود، وبعينٍ أخرى إلى المجهول، مع أن هذا العالم هو في نفسه بكل مكوّناته بما فيها هذا الإنسان نفسه يأتلف من مواد غيبيّة، وأخرى مشهودة، فلا بد له من مرشدٍ يلبّي تطلّعه الفطري على وجه يقيني يروي النفس بالطمأنينة، ويُشربها معنى السكينة الحقّة، والمستندة إلى علم لا إلى وهم، فلهذا لم يكِلْه الله إلى نفسه حتى في عالم الشهادة الذي يظنّه مكشوفاً له من كل وجه وهو يجهل إلى حد كبير حقيقة نفسه الإنسانية بين جنبيه !، بل أرشده إلى نظام شامل كامل من التشريعات، لما تقدم من اختراق علم الله لحجب الزمان والمكان، وإحاطة علمه بطبيعة هذا الإنسان ونوازع النفس ومكامن الهوى فيه.

فأرسل إليه الرسل يرشدونه وفق قانون الابتلاء العام الذي أراده على وفق حكمته، وحمّل الرسل براهين صحة نبوتهم، وموثوقية رسالتهم: {لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل } (النساء : 165) وإذا كان الوحي في نفسه حقيقة غيبية، فهذا لا يعني أن النبي الحق أو الرسول الحق غير مطالبٍ بإقامة الدليل على صحة ما جاء به؛ إذْ لو كانت الحقائق هي ما كان مدركاً بالحواس وحدها، لكان هذا إبطالا لوظيفة العقل الذي أناط الله امتحان التكليف به، وإذا كان لازماً في صدق النبي أن يُحس الناس بنفس ما يُحس به النبي حال الوحي، لكان المعنى أن يكون كل الناس أنبياء، فبطل معنى الاتباع والابتلاء ..لعلك أبصرت الآن أن مدح الله لعباده المؤمنين بقوله {الذين يؤمنون بالغيب} (البقرة : 3) هو بمنزلة ما لو قال "الذين يحسنون استعمال عقولهم " ! فالإنسان والجان مخلوقان مركبان من مكوّني الغيب والشهادة، المعلوم والمجهول، فلم يمكن معرفة حقيقة النفس الإنسانية ما لها وما عليها وطبيعة خصائصها وما ينتظرها، إلا عن طريق مصدر معصوم، وهو الوحي الذي قام صدقُه على شهادة البراهين الحقّة، ويدلك على هذا المكوّن الغيبي الفطري ما عليه المنحرفون عن الوحي الإلهي، فلم يسلموا من الاعتماد على مناهلَ خرافية تتعلق بالغيب حتى أولئك الماديّون المنكرون لعالم الغيب، لابد لهم من سدِّ الحاجة الفطرية في ملء هذا الجانب الحيوي، فترى الداروينيين حين يتكلمون عن فرضيتّهم يضطرون إلى ذكر أمور متعلقة بالميتافيزيقا لا سبيل لهم بإثباتها إلا الخرص والترقيع والتزوير، وكذلك الملاحدة فإنهم إذا تحدثوا عن نشأة الكون جاءوا من ذلك بركام هائل من المادة الغيبية، ليسدوا بها فراغات ما يعتقدونه بمجرد الدعاوى المحضة، وقد قال الله يرد على أسلافهم وعلى أمثالهم: {ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض وما كنت متخذ المضلين عضدا} (الكهف : 51).

وهذا التطلّع إلى إماطة أوشحة الغيب وكشف ما وراءها هو نفسه –لو تأملت – من الدلائل المشيرة بأصبع البصيرة إلى الله جل ثناؤه، لأن تشوّف النفس إلى الـ"مارواء" دالٌ على أن وراء إدراكها شيئًا ركز فيها هذا المعنى، وبعد أن عدد الفيلسوف كاريل جملة من التساؤلات الضالة عن جوابها، قال معبرًا عما يمكن تسميته متلازمة التعطّش المعرفي للمجهول : "وهناك أسئلة أخرى لا عداد لها يمكن أن تلقى في موضوعات تعتبر على غاية الأهميّة بالنسبة لنا، ولكنها ستبقى جميعاً بلا جواب..فمن الواضح أن جميع ما حققه العلماء من تقدم فيما يتعلق بدراسة الإنسان مازال غير كافٍ، وأن معرفتنا بأنفسنا ما تزال بدائية، وعلى كل حال كان يبدو لأسلافنا أن لغز وجودنا، ومتاعبنا الأدبية، ولهفتنا على المجهول، وظاهرة علم ما وراء المادة، أكثر أهميةً من الآلام البدنيّة والأمراض، ومن ثم فقد اجتذبت دراسة الحياة الروحيّة والفلسفة أنظار رجالٍ عظماء أكثر مما اجتذبتهم دراسة الطب... فالعقل كما يقول برجسون بعجز طبيعي عن فهم الحياة 4 ".

إن الملحد حين يسخر كثيرًا بأهل الدين لقولهم بوجود الله عز وجل، ويكابر طويلًا في زعم أن العالم موجود بذاته أزلًا ، يمكن أن يقال له على سبيل التنزل الجدلي:
-العالمَ فيه أجزاء مغيبة عن الحس ولا تبلغها آلات المراقبة :مقطوع بوجودها ،
-فماذا يضيرك أن يكون الله مِن هذا الغيب ، الذي لا تدركه الأبصار في الدنيا ولا الآلات ؟
لو تأملت ..ستكتشف أن جوهر مشكلته يكمن في إثبات شيء له وعي وحكمة (ليتخلص من تبعة المسؤولية ويكون عبدا للهوى) ..ولهذا تراه لا ضير عنده لو افترضت ملايين العوالم إذا كانت بلا وعي ولا إدراك ..
الملحد إذن :كائن يرفع شعار العقل ، وهو عدوٌّ لأصل ما زكا به العقل وكانت له به مصداقية، فليس للعقل قيمة يمكن عقلها ، إذا كان هو نفسه ابنَ العشواء


هوامش المقال
1- الدوغمائية :التعصب لفكرة والجمود عليها دون قبول نقاشها كأنها معصومة ولولم يكون عليها أي دليل .
2- (في ظلال القرآن 1 / 39) سيد قطب , ط: دار الشروق 1423 هـ - 2003 م
3- (خصائص التصور الإسلامي) سيد قطب ص 112, منبر التوحيد والجهاد
4- الإنسان ذلك المجهول ، ألكسيس كاريل ، ص14 ، 16.


كتبه: أبو القاسم

الخميس، 17 سبتمبر 2015

بركة علم السلف

عقيدة السلف
لو عدنا لعقيدة السلف و كتب السلف لما وجدنا مثلا من يسأل عن تأويل سؤال الملاحدة من قبيل هل يستطيع الله أن يخلق صخرة لا يستطيع حملها أو هل يستطيع الله أن لا يستطيع
كل هذه الأسئلة هي من قبيل تعلق قدرة الله بالمستحيل و قد ورد في عقيدة السلف مثلا
قال شيخ الإسلام رحمه الله : " وأما أهل السنة ، فعندهم أن الله تعالى على كل شيء قدير ، وكل ممكن فهو مندرج في هذا ، وأما المحال لذاته ، مثل كون الشيء الواحد موجودا معدوما ، فهذا لا حقيقة له ، ولا يتصور وجوده ، ولا يسمى شيئا باتفاق العقلاء ، ومن هذا الباب : خلق مثل نفسه ، وأمثال ذلك " انتهى من "منهاج السنة" (2/294).

وقال ابن القيم رحمه الله في "شفاء العليل" ص 374 : " لأن المحال ليس بشيء ، فلا تتعلق به القدرة ، والله على كل شيء قدير ، فلا يخرج ممكن عن قدرته البتة " انتهى
فلو أن أحدنا درس عقيدته قبل أن يواجه الملاحدة بلا علم و لا كتاب منير لما أتانا يشكو ثقل الشبهة على قلبه و يطلب الجواب و ربما آل به الامر إلى أن يتكلم بدون علم فيثبت و ينفي و يقر خلاف منهج السلف فيحرف الإسلام و يحسب أنه يحسن صنعا و لينفي النقص أو الذي ظنه نقصا في حق الله عز و جل فيثبت المستحيل و ينفي عقله و يفتح الباب للكافر أن يطعن في الإسلام بحجة التناقض
أخي يا من تناظر الملاحدة أدعوك أن تنهل من علم السلف حد الإرتواء ففيه بغيتك إن شاء الله و لا تناظر إلا عن علم و إحذر ثم إحذر أن تتكلم بغير علم فخير من كلامك السكوت

الأحد، 3 مايو 2015

كلام لطيف لابن حزم في إثبات النبوة

هنا كلام نفيس لابن حزم يحتاج إلى تأمل حول بعض أدلة النبوة والإصلاح العجيب الذي قام به النبي

قال ابن حزم في الفصل :" وبرهان ضَرُورِيّ لمن تدبره حسي لَا محيد عَنهُ وَهُوَ أَنه لَا خلاف بَين أحد من الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَسَائِر الْملَل فِي أَن بني إِسْرَائِيل كَانُوا بِمصْر فِي أَشد عَذَاب يُمكن أَن يكون من ذبح أَوْلَادهم تسخيرهم فِي عمل الطوب بِالضَّرْبِ الْعَظِيم والذل الَّذِي لَا يصبر عَلَيْهِ كلب مُطلق فَأَتَاهُم مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام يَدعُوهُم إِلَى فِرَاق هَذَا الْأسر الَّذِي قتل النَّفس أخف مِنْهُ وَإِلَى الْحُرِّيَّة وَالْملك وَالْغَلَبَة والأمن مَضْمُون مِمَّن هُوَ فِي أقل من تِلْكَ الْحَال أَن يُسَارع إِلَى كل من يطْمع على يَدَيْهِ بالفرج وَأَن يستجيب لَهُ إِلَى كل مَا دَعَاهُ إِلَيْهِ وَإِن أَكثر من فِي هَذَا الْبلَاء يستخير عبَادَة من أخرجه مِنْهُ لَا سِيمَا إِلَى الْعِزّ وَالْحُرْمَة وَكَانُوا أَيْضا أهل عَسْكَر مُجْتَمع وَبني عمر يُمكنهُم التواطؤ ثمَّ كَانُوا أهل بلد صَغِير جدا قد تكنفهم الْأَعْدَاء من كل جَانب وَأما عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَمَا اتبعهُ إِلَّا نَحْو اثْنَي عشر رجلا معروفين وَنسَاء قَلِيل وَعدد لَا يبلغ جَمِيعهم وَفِي جُمْلَتهمْ الاثنا عشر إِلَّا مائَة وَعشْرين فَقَط هَكَذَا فِي نَص إنجيلهم وَكَانُوا مشردين مطرودين غير ظَاهِرين وَلَا يقوم بِمثل هَؤُلَاءِ ضَرُورَة يَقِين الْعلم وَأما مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَا يخْتَلف أحد فِي مشرق الأَرْض وغربها أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أَتَى إِلَى قوم لقاح لَا يقرونَ بِملك وَلَا يطيعون لأحد وَلَا ينقادون لرئيس نَشأ على هَذَا آباؤهم وأجدادهم وأسلافهم مُنْذُ أُلُوف من الأعوام قد سرى الْفَخر والعز والنخوة وَالْكبر وَالظُّلم والأنفة فِي طباعهم وهم أعداد عَظِيمَة قد ملؤا جَزِيرَة الْعَرَب وَهِي نَحْو شَهْرَيْن فِي شَهْرَيْن قد صَارَت طباعهم طباع السبَاع وهم أُلُوف الألوف قبائل وعشائر يتعصب بَعضهم لبَعض أبدا فَدَعَاهُمْ بِلَا مَال وَلَا اتِّبَاع بل خذله قومه إِلَى أَن ينحطوا من ذَلِك الْعِزّ إِلَى غرم الزَّكَاة وَمن الْحُرِّيَّة وَالظُّلم إِلَى جري الْأَحْكَام عَلَيْهِم وَمن طول الْأَيْدِي بقتل من أَحبُّوا وَأخذ مَال من أَحبُّوا إِلَى الْقصاص من النَّفس وَمن قطع الْأَعْضَاء وَمن اللَّطْمَة من أجل من فيهم لأَقل علج غَرِيب دخل فيهم وَإِلَى إِسْقَاط الأنفة وَالْفَخْر إِلَى ضرب الظُّهُور بالسياط أَو بالنعال إِن شربوا خمرًا أَو قذفوا إنْسَانا وَإِلَى الضَّرْب بِالسَّوْطِ وَالرَّجم بِالْحِجَارَةِ إِلَى أَن يموتوا إِن زنوا فانقاد أَكْثَرهم لكل ذَلِك طَوْعًا بِلَا طمع وَلَا غَلَبَة وَلَا خوف مَا مِنْهُم أحد أَخذ بِغَلَبَة إِلَّا مَكَّة وخيبر فَقَط وَمَا غزا قطّ غَزْوَة يُقَاتل فِيهَا إِلَّا تسع غزوات بَعْضهَا عَلَيْهِ وَبَعضهَا لَهُ فصح ضَرُورَة أَنهم إِنَّمَا آمنُوا بِهِ طَوْعًا لَا كرها وتبدلت طبعائهم بقدرة الله تَعَالَى من الظُّلم إِلَى الْعدْل وَمن الْجَهْل إِلَى الْعلم وَمن الْفسق وَالْقَسْوَة إِلَى الْعدْل الْعَظِيم الَّذِي لم يبلغهُ أكَابِر الفلاسفة وأسقطوا كلهم أَوَّلهمْ عَن آخِرهم طلب الثأر وَصَحب الرجل مِنْهُم قَاتل ابْنه وَأَبِيهِ وأعدى النَّاس لَهُ صُحْبَة الْأُخوة المتحابين دون خوف يجمعهُمْ وَلَا رياسة ينفردون بهَا دون من أسلم من غَيرهم وَلَا مَال يتعجلونه فقد علم النَّاس كَيفَ كَانَت سيرة أبي بكر وَعمر رَضِي الله عَنْهُمَا وَكَيف كَانَت طَاعَة الْعَرَب لَهما بِلَا رزق وَلَا عَطاء وَلَا غَلَبَة فَهَل هَذَا إِلَّا بِغَلَبَة من الله تَعَالَى على نُفُوسهم وقره عز وَجل لطباعهم كَمَا قَالَ تَعَالَى {لَو أنفقت مَا فِي الأَرْض جَمِيعًا مَا ألفت بَين قُلُوبهم وَلَكِن الله ألف بَينهم} ثمَّ بَقِي عَلَيْهِ السَّلَام كَذَلِك بَين أظهرهم بِلَا حارس وَلَا ديوَان جند وَلَا بَيت مَال محروساً مَعْصُوما وَهَكَذَا نقلت آيَاته ومعجزاته فَإِنَّمَا يَصح من أَعْلَام الْأَنْبِيَاء الْمَذْكُورين مَا نقل عَنهُ عَلَيْهِ السَّلَام بِصِحَّة الطَّرِيق إِلَيْهِ وارتفاع دواعي الْكَذِب والعصبية جملَة عَن اتِّبَاعه فِيهِ فجمهورهم غرباء من غير قومه لم يمنهم بدنيا وَلَا وعدهم بِملك وَهَذَا لَا يُنكره أحد من النَّاس وَأَيْضًا فَإِن سيرة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لمن تدبرها تَقْتَضِي تَصْدِيقه ضَرُورَة وَتشهد لَهُ بِأَنَّهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَقًا فَلَو لم تكن لَهُ معْجزَة غير سيرته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لكفى وَذَلِكَ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام نَشأ كَمَا قُلْنَا فِي بِلَاد الْجَهْل لَا يقْرَأ وَلَا يكْتب وَلَا خرج عَن تِلْكَ الْبِلَاد قطّ إِلَّا خرجتين أَحدهمَا إِلَى الشَّام وَهُوَ صبي مَعَ عَمه إِلَى أول أَرض الشَّام وَرجع وَالْأُخْرَى أَيْضا إِلَى أول الشَّام وَلم يطلّ بهَا الْبَقَاء وَلَا فَارق قومه قطّ ثمَّ أوطأ الله تَعَالَى رِقَاب الْعَرَب كلهَا فَلم تغير نَفسه وَلَا حَالَتْ سيرته إِلَى أَن مَاتَ وَدِرْعه مَرْهُونَة فِي شعير لقوت أَهله أصواع لَيست بالكثيرة وَلم يبت قطّ فِي ملكه دِينَار وَلَا دِرْهَم وَكَانَ يَأْكُل على الأَرْض مَا وجد ويخصف نَعله بِيَدِهِ ويرقع ثَوْبه ويؤثر على نَفسه وَقتل رجل من أفاضل أَصْحَابه مثل فَقده يهد عَسْكَر اقْتُل بَين أظهر أعدائه من الْيَهُود فَلم يتسبب إِلَى أَذَى أعدائه بذلك إِذْ لم يُوجب الله تَعَالَى لَهُ ذَلِك وَلَا توصل بذلك إِلَى دِمَائِهِمْ وَلَا إِلَى ذمّ وَاحِد مِنْهُم وَلَا إِلَى أَمْوَالهم بل فدَاه من عِنْد نَفسه بِمِائَة نَاقَة وَهُوَ فِي تِلْكَ الْحَال مُحْتَاج إِلَى بعير وَاحِد يتقوى بِهِ وَهَذَا أَمر لَا تسمح بِهِ نفس ملك من مُلُوك الأَرْض وَأهل الدُّنْيَا من أَصْحَاب بيُوت الْأَمْوَال بِوَجْه من الْوُجُوه وَلَا يَقْتَضِي هَذَا أَيْضا ظَاهر السِّيرَة والسياسة فصح يَقِينا بِلَا شكّ أَنه إِنَّمَا كَانَ مُتبعا مَا أَمر بِهِ ربه عز وَجل كَانَ ذَلِك مضراً بِهِ فِي دُنْيَاهُ غَايَة الْإِضْرَار أَو كَانَ غير مُضر بِهِ وَهَذَا عجب لمن تدبره ثمَّ حَضرته الْمنية وأيقن بِالْمَوْتِ وَله عَم أَخُو أَبِيه هُوَ أحب النَّاس إِلَيْهِ وَابْن عَم هُوَ من أخص النَّاس بِهِ وَهُوَ أَيْضا زوج ابْنَته الَّتِي لَا ولد لَهُ غَيرهَا وَله مِنْهَا أبان ذكران وكلا الرجلَيْن الْمَذْكُورين عَمه وَابْن عَمه عِنْده من الْفضل وَالدّين والسياسة فِي الدُّنْيَا والبأس والحلم وخلال الْخَيْر مَا كَانَ كل وَاحِد مِنْهُمَا حَقِيقا بسياسة الْعَالم كُله فَلم يحابهما وهما من أَشد النَّاس عناء عَنهُ ومحبة فِيهِ وَهُوَ من أحب النَّاس فيهمَا إِذْ كَانَ غَيرهمَا مُتَقَدما لَهما فِي الْفضل وَإِن كَانَا بعيد النّسَب مِنْهُ بل فوض الْأَمر إِلَيْهِ قَاصِدا إِلَى مر الْحق وَاتِّبَاع مَا أَمر بِهِ وَلم يُورث ورثته ابْنَته ونساءه وَعَمه فلسًا فَمَا فَوْقه وهم كلهم أحب النَّاس إِلَيْهِ وأطوعهم لَهُ وَهَذِه أُمُور لمن تأملها كَافِيَة مغنية فِي أَنه إِنَّمَا تصرف بِأَمْر الله تَعَالَى لَا بسياسة وَلَا بهوى فوضح بِمَا ذكرنَا وَالله الْحَمد كثيرا أَن نبوة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حق وَأَن شَرِيعَته الَّتِي أَتَى بهَا هِيَ الَّتِي وضحت براهينها واضطرت دلائلها إِلَى تصديقها وَالْقطع على أَنَّهَا الْحق الَّذِي لَا حق سواهُ وَأَنَّهَا دين الله تَعَالَى الَّذِي لَا دين لَهُ فِي الْعَالم غَيره وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين عدد خلقه ورضاء نَفسه وزنة عَرْشه ومداد كَلِمَاته على مَا وفقنا إِلَيْهِ من الْملَّة الإسلامية"

هذا كلام نفيس يرجى تأمله

الأحد، 15 مارس 2015

خواطر حول الإلحاد

يمكن تحميل كتاب خواطر حول الإلحاد و الذي هو بالأساس موضوع نشر على منتدى التوحيد سابقا و تم تجميعه على شكل كتاب 
رابط التحميل
إضغط هنا 
الشكر موصول للأخ أبو جعفر المنصور من منتدى التوحيد لموافقته على تجميع موضوعه خواطر حول الإلحاد 

الثلاثاء، 3 مارس 2015

شبهة الشذوذ الجنسي له أصل جيني



في عام 1993 قام عالم الجينـات الأمريكي دين هامر Dean Hamer بدراسة المؤشر الجيني Xq28 الموجود على الكروموسوم X وهذا المؤشر الجيني كان يُعتقد حتى وقت قريب أن له علاقة بالشذوذ الجنسي وقام بالبحث في محاولة لإثبـات ذلك وبعد تجارب كثيرة تبين فشل الأمر وأنه لا توجد علاقة بين الشذوذ الجنسي والجينـات
وقد قام العالمان سايمون ليفي Simon LeVay وويليام باين William Byne بدراستان منفصلتان لتركيبة المخ للشواذ جنسيا والأشخاص الطبيعيين وخرجا بنتيجة أنه لا يُمكن الإعتماد على تركيبة المخ كسند علمي يُبرر الشذوذ الجنسي
وفي بحث آخر لدراسة التوائم المتماثلة (والتوأم المتماثل يوجد به تطابق جيني وهذا هام جدا في إثبات أن للشذوذ الجنسي أصل جيني فلو كان للشذوذ الجنسي أصل جيني فهذا يعني أن التوأم المتماثل سيكون له نفس السلوك الجنسي ) وبالفعل قام العالمان ويليام بيلي وريتشارد بيلارد بدراسة للسلوك الجنسي للتوائم المتماثلة وخرجا بنتيجة أن السلوك الجنسي بين التوائم المتماثلة هو سلوك متفاوت للغاية فربمـا يكون أحد التوأمين فعليـا شاذ جنسيا لكن الآخر بريء من الأمر ممـا يعني بالضرورة أن الأمر يبعد كثيرا عن كونه جينيـا .. بل والأكثر داهشية من ذلك فربما يتجه أحد التوأمين نحو الشذوذ الجنسي والآخر يكره الشذوذ بل ربما يخاف منه فأحد التوأمين يُصنف على أنه homosexual بينما يصنف الآخر على أنه homophobic وهذا يؤكد أن الشذوذ الجنسي مسألة سلوكية بحتة لا تخضع للجينـات
Archives of General Psychiatry, December 1991
وهكذا فالجينات بريئة من إلصـاق تهمة الشذوذ الجنسي بها فالعلم لا يعرف جين يسمى جين الشواذ جنسيـا ولا يعرف مركز الشذوذ الجنسي في المخ فهذه مجرد أوهـام كان يتشبث بها الشواذ جنسيـا للمطالبة بحقوقهم لكن هذه الأوهام أزالها العلم

شبهة المثلية الجنسية عند الحيوانات

مصطلح " المثلية" الجنسية عند الحيوانات بالضبط Homosexuality هي ظاهرة غير موجودة عندها إن فهمناها بالمفهوم البشري ...غير موجود عند أي نوع من الكائنات بجميع الفصائل و الشعب بل الملاحظ فقط هو Bisexuality و هو إقدام بعض أفراد النوع بالممارسة الجنسية الطبيعية ذكر و أنثى كتوجه عام مع الشادة أيضا أي مع نفس الجنس كفعل طارئ مرافق " عرضي " occasionnel قليل الحدوث متزامن مع الممارسة الطبيعية ..و قد سجلت هذه الملاحظة عند 1500 نوع منها 500 فقط موثقة حسب المرجع الرئيسي المعتمد Biological Exuberance: Animal Homosexuality and Natural Diversity 1999 و يجدر الذكر أنه عند قرود Bonobo هو من نستطيع أن نؤكد حصول هذا الشذوذ أما عند باقي الكائنات كالدلافين و العصافير و بعض أنواع الحشرات ..إلخ فالملاحظ هو" سلوكيات" تصرفات ...أو ميولات عاطفية - جنسية فقط خصوصا بين الذكور تمّ إعتبارها و توثيقها لضرورة تصنيف التوجه الجنسي على أنها تسجيل لممارسة جنسية شاذة ...و قد أشار لهذا بوضوح و فصل في هذا الُّبس الخبير و الباحث Bruce Bagemihl الذي قام بتوثيقات و أبحاث في هذا المجال
أما بالنسبة لِ Bonobo فالأمر خاص جدا عنده لأنه لوحظ أيضا عنده الشذوذ مع صغارهم Pedophilia و عجزتهم ...لدرجة أثار هذا السلوك إنتباه الخبراء عن سببه و أهميته البيولوجية -إن وُجدت- ليتوصلوا لنتيجة غاية في الغرابة : أنه سلوك يتجاوز الظاهر و التفسير الجنسي هو وسيلة " للتعلم " و التواصل و فرض نوع من الإنتماء بين كل أفراد مجموعة هذه القردة و قد نُشر هذا البحث الغريب لأول مرة في المجلة الدولية الخاصة بدراسة و مقارنة شعب الرئيسيات و القردة العليا منذ سنة International Journal of Primatology .....و هو مقال بحثت عنه هو بعنوان Context and Development of Sexual Behavior of Wild Bonobos نشر منذ سنة 1997 إشراف فريق كبير من المختصين لذلك فمحاولة الإسقاط و التشبيه هذه بين المثليين القردة و سبب مثليتهم الراجع لفطرتهم و نظامهم البيولوجي - الهرموني - و السايكولوجي الطبيعي و أسباب أخرى لم تكتشف بعد و بين المثليين البشر الذين هم الشاذون الحقيقيون إجحاف جهل و ظلم ! فضلا على إنعدام عِلمية هذا القول من جهة ..نحن نتحدث في الأصل عن كائنات تحركها الغرائز! حتى و إن ثبت عنذها هذا "الشذوذ " هي ليست كائنات ذات وعي و ذوق أو إدراك كالكائن الرامز الإنسان ...لكن المفاجأة أنه حتى عند الحيوانات العجماء فسلوك كالسحاق غير وارد بالمطلق في كل الحالات التي سجلت بين الألف نوع إن وُجد ذكور بالمجموعة و القطيع ! فقط في حالة غيابهم تلاحظ و لا يتجاوز وصفها كما قلت ببعض "السلوكيات" إن إرتئينا الدقة ...


ثم نأتي لأكثر كائن يمارس Homosexuality بل و يتوالد و يتكاثر به و لحد الآن لا يفهم كيف ؟! إنه نوع من السحليات whiptails شعبة Cnemidophorus تلجأ فيه الإناث إثنتين أو ثلاثة أو حتى خمسة لإنجاب أنثى جديدة - المولود أنثى دائما و حصرا - كما يجب أن تسجل كل أنثى منسوبا من الأستروجين (الهرمون الأنثوي الرئيسي ) مختلفاً عن الأخرى يعني واحدة نسبته عالي و الأخرى منعدم بشكل دوري متكامل ...و طبعا كما قلت الشرط لحدوث هذا بينها غياب و إنقراض الذكور من مجموعتها و منطقتها كليا ....كيفية إختلاط الجينات غير المخصبة من ذكر غير معروف جينياً و غامض لحد الآن لكنه بالتأكيد ميكانيزم منظم و قائم بذاته رغم غرابته و جهلنا به و يسمى هذا التكاثر بالتوالد البكري Parthenogenesis ، و الغريب أكثر أنه في حالة حضور ذكر في مجموعة السحليات يتوقف نهائيا هذا السلوك بين الإناث و يعود التوالد الجنسي بالشكل الطبيعي و ينتج عنه ولادة ذكور تنتشر ليختفي الشذوذ عندها وقد فسّر هذا بكونه (آلية) فريدة ضد الإنقراض لحفظ النوع و النسل ...و ليس مجرد سلوك يستهويها و لا يمكن وصفه إذن بالشذوذ في ظل وجود جاهزية بيولوجية تستدعيها ظرفية خاصة تميز هذا النوع ...كما يوجد بالطبيعة أيضا توالد خنثوي ولازالت الأبحاث مستمرة عن هذا ....لكن في أغلب المرات التي تستوفى فيها الدراسة تكتشف أن هناك وظيفة بيولوجية أو سبب منطقي يشرح مثل هذه السلوكيات و القابلية سلفا عند الحيونات

و الخلاصة :مفهوم "الشذوذ" الجنسي غير صحيح أو دقيق لا يمكن تطبيقه على مملكة الحيوانات بنفس المفهوم المتعارف عليه عند البشر أي كما نفهمه ..و إن ضُربت المصطلحات ببعضها في المقالات غير المتخصصة للأسف و التي لا تشير لتفاصيل من شأنها أن تعدل الأفهام و تصحح المعلومة بشكل سينزع من النفوس المريضة الرغبة في التأويل إما لوساخة ...أو جهل معيب أو ظلم... عند مملكة البشر العجيبة ، الكفر حقا علة في النفس يعمي الفطرة و الذوق قبل العقل ..خراب روحي !جسماني! عقلي! ..ليس كل هذا بغريب ثمناً للكفر بمن خلقك و شرعه ...ظلمات بعضها فوق بعض ..رحماك ربي .


كما أتمنى أن لا يخرج قليل مروءة آخر بمثال يستشهد فيه و يبرر للشذوذ بين البشر و الحيوانات بما حصل في جزيرة مريون 2005 عن تسجيل سلوك شاذ بين حيوانيين بعيدان فيلوجينيا بين بطريق و حيوان Antarctic fur seal كالفقمة " لا أعرف تسميته العربية " لأن المختصين في الإيثولوجيا للآن يتباحثون عن السبب المجهول ..

الأحد، 22 فبراير 2015

شُبهــة حديث: ( نحن أحق بالشك من إبراهيم )

بسم الله الرحمن الرحيم ....
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجاً، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ....
تضافَر أعداءُ هذا الدين العظيم في القديم والحاضر على التشكيكِ في كلّ مصادره بُغية هدمه , أو بغية تشكيك بعض منتسبيه في دينهم وثوابته وماجاء عن المبلّغ والهادي فيه عن ربه جلّ وعلا ..
وتعددت أوجه التشكيك واصطناع الشُبهات وكلّها للحق تندرج تحت بند ( الجهل ) , فطالما تجلّى أمرٌ لمن كاد أن يخلع ربقة الإسلام من عنقه بنور العلم , وكتبَ العُلماء ومازالت أيدي الأحياءِ منهم تُسطّر مُجاهِدةً أعداء هذا الدين أروع العلوم والردود على شُبهات القوم , ونسفها نسفاً لاتقومُ لها بعد ذلك قائمة .... فلله الحمدُ من قبل ومن بعد , وصدق ربنا عزّ وجل الذي حفظ هذا الدين بحفظه سُبحانه , وبكافة طرق الحفظ التي من ضمنها أن قيّض في هذه الأُمة رجالأً أوقفوا أعمارهم وأقلامهم للذب عن هذا الدين والقيام بما رزقهم الله تعالى برحمته من سهام القيام بحفظه ...
وهنا في قسم السنّة وعلومها ,,على صاحبها أفضلُ الصلاة واتمّ التسليم ,,, سنورد شُبهةً في حديثٍ نبوي ,صحيح، بل في أعلى درجات الصحة؛ فقد رواه الشيخان - البخاري ومسلم - في صحيحيهما ...فلا يحق لأحد أن يطعن في هذا الحديث لا سندا ولا متنا؛ إذ إن الأمة قد أجمعت على قبول هذين الكتابين - صحيح البخاري وصحيح مسلم - وحصل لهما من الإجماع ما لم يحصل لغيرهما من كتب الحديث ...!

الحديث :

حدثنا ‏حرملة بن يحيى ‏ ‏ويونس بن عبد الأعلى ‏ ‏قالا حدثنا ‏‏عبد الله بن وهب قال : ‏أخبرني ‏ ‏يونس بن يزيد ‏‏عن ‏‏ابن شهاب ‏‏عن ‏‏أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ‏‏وسعيد بن المسيب ‏‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏قال ‏:قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏نحن أحق بالشك من ‏ ‏إبراهيم ‏ ‏إذ قال رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي ويرحم الله ‏‏لوطا ‏‏لقد كان يأوي إلى ركن شديد ولو لبثت في السجن طول ما لبث ‏‏يوسف ‏‏لأجبت الداعي ‏)
فجاء البعض ليقول أن هذا الحديث وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم: «نحن أحق بالشك من إبراهيم؛ إذ قالرب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي) , وقوله : ( ويرحم الله لوطا لقد كان يأوي إلى ركن شديد، ولو لبثت في السجن طول ما لبث يوسف لأجبت الداعي ) ...نفيٌ لعصمــة الأنبياء , ويُصرّ البعض منهم ممن كان في قلبه نية حسنة لهذا الدين أن هذا الحديث مكذوب أو موضوع أو لا أصل له أو أنه مما لم يتم تنقيحه من قبل علماء الحديث عبر القرون...!
فيرون فيه مايلي :
أولاً : شك نبي الله إبراهيم عليه السلام وسيد الخلق محمد عليه أفضل الصلاة والسلام في قدرة الله تعالى على إحياء الموتى.. ثانيها : يرون فيه أن لوطا عليه الصلاةُ السلام لم يكن يلجأ إلى الله عز وجل .. ثالثها : كذلك أن في الثناء على يوسف عليه الصلاة والسلام ما ينقص من قدر محمد صلى الله عليه وسلم ..
الرد على الأولى :

1) : الإجماع منعقد على عصمة أنبياء الله عزّ وجل ورسله أجمعين من الكفر والشرك، ومن تسلط الشيطان عليهم، وأن تلك العصمة صفة أساسية فيهم، وشرط ضروري من شروط الرسالة .. 2) : ان انتفى هذا عن آحاد الأنبياء جميعاً , فمن باب اولى وأحق أن ينتفي وبلا شك ولاريب عن من بلغ منهم مرتبة الخلّة , كإبراهيم عليه السلام ونبيناعليه الصلاة والسلام , فتكون من باب أولى في حقهم مُستحيلــة باعتبار حالهم لا باعتبار بشريتهم؛ لأنهم أنبياء وهم الذين اختارهم الله تعالى واصطفاهم لتبليغ رسالاته وتحكيم شرعه.... 3) : قول النبي عليه الصلاة والسلام : ( أنا أحق بالشك من إبراهيم عليه السلام ) , ليس فيه إثبات للشك لإبراهيم عليه السلام، ولا اعتراف من النبي عليه الصلاةُ والسلام بوقوع الشك منه كما قد يُتوهم ,, وإنما المراد بالحديث - كما اتفق أهل العلم - خلاف ذلك تماماً , وهو نفي الشك عن إبراهيم عليه السلام وعن نبينا عليه الصلاةُ والسلام , فكأنه قال: إن إبراهيم عليه السلام لم يشك ، ولو كان الشك متطرقاً إليه لكنا نحن أحقّ بالشك منه لعلمه عليه الصلاة والسلام بعظيم فضل نبي الله إبراهيم وكما ذكره الله تعالى في كتابه ، فإذا كنا نحن لم نشك في قدرة الله تعالى على إحياء الموتى، فإبراهيم عليه السلام من باب أولى ألا يشك، قال ذلك مُحمد صلى الله عليه وسلم على سبيل التواضع وهضم النفس , ويوضح ذلك بيان ابن الجوزي في قوله : ( لأن قوما ظنوا في قوله تعالى: (رب أرني كيف تحيي الموتى) أنه شك، فنفى ذلك عنه، وإنما المعنى: "إذا لم أشك أنا في قدرة الله تعالى على إحياء الموتى، فإبراهيم أولى ألا يشك، فكأنه رفعه على نفسه)
فالحديث إذن لا يثبت شكاً لا لإبراهيم عليه السلام ولا لنبينا محمد عليه الصلاةُ والسلام , بل ينفي عنهما مظنة الشك ...!

والجزء الثاني من الحديث والرد على النقطة الثانية :

في قوله صلى الله عليه وسلم: «ويرحم الله لوطا، لقد كان يأوي إلى ركن شديد»...
فهذا القول منه عليه الصلاة والسلام فيه إشارة واضحة إلى قول لوط عليه السلام لقومه قال لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد ) ...ولاشيئ فيه يفيد نسبة الخطأ إلى لوط عليه السلام أو ينفي عصمته , والمقصود بالركن هنا: القبيلة والعشيرة , والمعنى لقوله : أي رحمه الله على هذا التمني الذي فرط منه في وقت الضيق والشدة، حيث سها فذكر الأسباب المحسوسة، من قومه وعشيرته، مع أنه كان يأوي إلى أشد الأركان وأقواها، وهو الله تعالى...!
وكيف يُنكر عليه نبينا عليه الصلاة والسلام وقد طلب من الأنصار والمهاجرين منعة كهذه في فترة بلاغه عن الله , فكيف يُتوهم إنكاره على لوط عليه السلام ..؟؟!!
ومافعله وأخوه لوط مرتبة ثانية بعد ( ان معي ربي ) ...!
ومن بديع قول ابن حزم في هذا : (( وقد طلب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الأنصار والمهاجرين منعة حتى يبلغ كلام ربه تعالى، فكيف ينكر على لوط أمرا هو فعله صلى الله عليه وسلم، تالله ما أنكر ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإنما أخبر - عليه السلام - أن لوطا كان يأوي إلى ركن شديد، يعني: من نصر الله له بالملائكة، ولم يكن لوط - عليه السلام - علم بذلك، ومن ظن أن لوطا - عليه السلام - اعتقد أنه ليس له من الله ركن شديد فقد كفر؛ إذ نسب إلى نبي من الأنبياء هذا الكفر، وهذا أيضا ظن سخيف؛ إذ من الممتنع أن يظن برب أراه المعجزات - وهو دائبا يدعو إليه - هذا الظن ))
حتى لا يتوهم متوهم أن لوطا عليه السلام في قوله هذا قد ترك الاعتماد على الله، كما لا يلزم من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم للوط عليه السلام بالرحمة أن يكون قد أخطأ ونسي الله تعالى كما قد يتوهم؛ لأن ذلك يجري على سبيل المدح وبيان الفضل، كما في قوله صلى الله عليه وسلم لما استغضب: «يرحم الله موسى، فقد أوذي بأكثر من هذا فصبر»...!

الجزء الثالث من الحديث والثالثة :

في قوله عليه صلواتُ ربنا وسلامُه : ( ولو لبثت في السجن طول ما لبث يوسف لأجبت الداعي ) ...
لا يُفهم من هذا القول أي انتقاص من قدر نبي الله يوسف ولا نبينا عليهم الصلاة والسلام , كما أنه لا حرج ولا إثم ولا نقص حتى وأن كان ذلك حاصلٌ فعلاً , وإنما مُراد النبي صلى الله عليه وسلم بهذا: الثناء على يوسف عليه السلام ، وبيان فضله، وقوة صبره وحزمه، حيث إنه لما جاءه رسول الملك، آذنا له بالخروج، لم يبادر بالخروج - كما هو مقتضى الطبيعة - مع أنه مكث في السجن بضع سنين، بل قال ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن ) , قال ذلك حتى تظهر براءته، وتتبين مظلمته، فيخرج خروج من له الحجة، لا خروج من قد عفي عنه، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - تواضعا منه وأدبا: "لو لبثت في السجن طول ما لبث يوسف لأجبت الداعي " .. وذلك كما قرّر أهل العلم والنظر , إذن كان قوله عليه الصلاة والسلام على سبيل التواضع الذي يرفعُ قدر القائل ويزيده جلالاً وإكرام ..ومَدح ليُوسُف بإنهُ بَلغ مِنْ الصبر وَالتأَني غَايَته ...عليهم جميعاً صلواتُ ربي وسلامه ,,,,,,
والحمد لله رب العالمين

الأحد، 1 فبراير 2015

دليل الحس

دليل الحس :
وأما دلالة الحس على وجود الله :
* إجابة الدعوات :



فإن الانسان يدعو الله عز وجل , يقول : يارب , ويدعو بالشئ , ثم يستجاب له فيه , وهذه دلالة حسية , هو نفسه لم يدع إلا الله , واستجاب الله له , رأى ذلك رأي العين وكذلك نحن نسمع عمن سبق وعمن في عصرنا , أن الله استجاب له , وهذا أمر واقع يدل على وجود الخالق دلالة حسية,
وفي القرآن كثير من هذا, مثل ( وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين * فاستجبنا له ) وغير ذلك من الآيات . ( كتاب شرح العقيدة الواسطية )
* كذلك هداية المخلوقات إلى ما فيه سر حياتها : فمن الذي هدى الإنسان ساعة ولادته إلى الرضاعة من ثدي أمه ؟؟ ومن الذي هدى الهدهد حتى يرى مواضع الماء تحت الأرض ولا يراها غيره ؟؟ إنه الله القائل (( .. رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى )) .

دليل العقل ( كل مخلوق لا بد له من خالق )

دليل العقل ( كل مخلوق لا بد له من خالق )
فلأن هذه المخلوقات : سابقها ولاحقها ،لابد لها من خالق أوجدها ،إذ لا يمكن أن توجد نفسها بنفسها ؛ولا يمكن أن توجد صدفة. لا يمكن أن توجد نفسها بنفسها ؛ لأن الشيء لا يخلقُ نفسه ؛ لأنه قبل وجوده معدوم فكيف يكون خالقًا ؟!ولا يمكن أن توجد صدفة ؛ لأن كل حادث لابد له من محدث ، ولأن وجودها على هذا النظام البديع ،والتناسق المتآلف ،و الارتباط الملتحم بين الأسباب ومسبباتها ،وبين الكائنات بعضها مع بعض يمنعُ منعًا باتًا أن يكون وجودها صدفة ،إذ الموجود صدفة ليس على نظام في أصل وجوده فكيف يكون منتظمًا حـال بقائه وتطـوره ؟!,وإذا لم يمكن أن توجد هذه المخلوقات نفسها بنفسها ،ولا أن توجد صدفة ؛تعيَّن أن يكون لها موجد هو الله رب العالمين , وقد ذكر الله تعالى هذا الدليل العقلي ، و البرهان القطعي ، حيث قال : (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ)[ سورة الطور : 35]. يعني : أنهم لم يُخْلَقُوا من غير خالق ، ولا هم الذين خلقُـوا أنفسهـم ؛ فتعين أن يكـون خالقـهم هو الله تبارك و تعالى ، ولهذا لما سمع جبير بن مطعم -رضي الله عنه- رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ سورة الطور فبلغ هذه الآيات : ( أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السموات وَالأرْضَ بَل لا يُوقِنُونَ * أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ) [سورة الطور : 35-37].وكان جبير يومئذ مشركًا قال : (كاد قلبي أن يطير ، وذلك أول ما وقر الإيمان في قلبي ). ( كتاب نبذة في العقيدة الاسلامية لابن عثيمين رحمه الله ) .
*وقيل لأعرابي من البادية : بم عرفت ربك ؟ فقال : الأثر يدلّ على المسير , والبعرة تدل على البعير , فسماء ذات أبراج , وأرض ذات فجاج , وبحار ذات أمواج , ألا تدل على السميع البصير. (كتاب شرح العقيدة الواسطية ) .



فأدل شئ على وجود الخالق جل وعلا وجود المخلوق .
وبهذا الدليل كان علماء الإسلام ولا يزالون يواجهون الجاحدين ، فهذا أحد العلماء يعرض له بعض الزنادقة المنكرين للخالق ، فيقول لهم : ما تقولون في رجل يقول لكم : رأيت سفينة مشحونة بالأحمال ، مملوءة من الأنفال ، قد احتوشتها في لجة البحر أمواج متلاطمة ، ورياح مختلفة ، وهي من بينها تجري مستوية ، ليس لها ملاح يُجريها ، ولا متعهد يدفعها ، هل يجوز في العقل ؟ .

قالوا : هذا شيء لا يقبله العقل .فقال ذلك العالم : يا سبحان الله ، إذا لم يجز في العقل سفينة تجري في البحر مستوية من غير متعهد ولا مجر ، فكيف يجوز قيام هذه الدّنيا على اختلاف أحوالها ، وتغيّر أعمالها ، وسعة أطرافها ، وتباين أكنافها من غير صانع ولا حافظ ؟! فبكوا جميعاً ، وقالوا : صدقت وتابوا .( كتاب العقيدة في الله ) .




ونختم بهذه المناظرة بين مؤمن فقيه وبين ملحد حائر : قال ذلك الملحد للمؤمن ما معناه : أنت تؤمن بوجود الله ؟ قال نعم ولا شك ولا ريب . قال : هل رأيته ؟ قال : لا . قال : هل سمعته ؟ قال : لا . قال : هل شممته أو لمسته ؟ قال : لا . قال : فكيف تؤمن به ؟ قال المؤمن الفقيه للملحد ما معناه : أنت عاقل ؟ قال : نعم . قال : هل رايت عقلك ؟ قال : لا . قال : هل سمعته ؟ قال : لا . قال : هل شممته أو لمسته ؟ قال : لا . قال : كيف تزعم أنك عاقل . ( فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين ) .( كتاب الثمرات الزكية ) .